النظم الاقتصادية هي الأساليب المُتَبَعة لإدارة الأنشطة المالية، وتهدف إلى تخفيف العبء الناتج من تزايد الاحتياجات البشرية في ظل ندرة الموارد المتاحة. ولقد تخبط العالم بين النظم الاقتصادية المختلفة؛ من رأسمالية واشتراكية، وظلت الشعوب تعاني طويلًا من جراء تلك النظم، وما نتج عنها من مشكلات معقدة لم يحل عقدها، ويسد ثغراتها إلا النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يعامل الإنسان ككيان متكامل ومتعدد الجوانب. هذا ما يناقشه هذا الكتاب الذي يلقي الضوء على الأنظمة الاقتصادية المختلفة؛ ليثبت لنا كيف يتفوق النظام الاقتصادي الإسلامي على ما دونه من أنظمة.
ظهرت الرأسمالية في (أوروبا) في بداية القرن السادس عشر الميلادي تزامنًا مع انتشار الدعوات إلى الحرية، وإلى إنشاء القوميات اللادينية بعيدًا عن سيطرة الكنيسة؛ فظهر المذهب الحر، وهو فكر علماني تُفصَل فيه الأمور كلها عن الدين؛ ليعيش الإنسان دون قيم أو مبادئ تشريعية سماوية. ولقد ظهرت فكرة الرأسمالية نتيجة ظلم واستبداد الإقطاعيين والطبقة الأرستقراطية الذين منحتهم الحكومة جميع الأموال والثروات، فيما تركت الشعب يعاني من الفقر والجوع والجهل. فكان الأشخاص العاديون - مهما عملوا وكدحوا - ليس لهم من الأمر شيء، ولا يمكنهم امتلاك أي شيء؛ فكل الأراضي والأملاك تُسَجَل باسم الملوك والطبقة الارستقراطية؛ مما أدى إلى الثورة، وتعالت أصوات المطالبين بحرية الملكية الفردية، وعدم تدخل الدولة - التي كانت تعمل لصالح طبقة معينة - في الحياة الاقتصادية.
والرأسمالية هي نظام مستقل، يتم فيه ممارسة النشاط الاقتصادي دون الحاجة لتدخل الدولة. ولا يهتم النظام الرأسمالي بالأخلاق، إلا ما يأتي منها في صالحه، أو يجلب له مزيدًا من الأرباح. ومن أهم الأسس التي قامت عليها الرأسمالية تقديس الملكية الفردية دون أدنى اهتمام بالغير، وضرورة العمل على حماية الثروة، وزيادتها بأي طريقة؛ مما أدى إلى ازدياد المنافسة والمزاحمة في الأسواق وعدم استقرار الأسعار؛ بسبب استغلال التجار لقانون العرض والطلب الذي ينص على أن "كلما قلت كمية المنتج زاد الطلب عليه، وارتفعت قيمة سعره، والعكس بالعكس". وهذا يعني أن الأفراد المنتجين للسلع هم المتحكمون في الأسعار، وأن لديهم القدرة على التلاعب في استقرار الأسواق؛ فقد يحتكرون البضائع حتى إذا ما اشتدت حاجة الناس إليها باعوها بسعر أعلى من سعرها الأصلي، أو قد يغرقون السوق بالبضائع لتخفيض سعرها في أحيان أخرى، وفي كل الحالات هناك رابح على حساب آخر خاسر. ولقد بلغ الجشع بالبعض إلى حد حرق البضائع الفائضة، أو رميها في البحر؛ حتى لا ينخفض سعرها؛ بسبب كثرة كمياتها المعروضة، كما تسبب الجشع المرافق للرأسمالية في تطاول البعض على حقوق الغير؛ بحثًا عن مواد أولية جديدة لفتح أسواق جديدة؛ مما أدى إلى استعمار البلاد الأخرى، ونهب ثرواتها، واستعباد شعوبها، وزيادة الحروب والتدمير. ومما يعيب الرأسمالية أيضًا، الابتزاز الذي تتعرض له الأيدي العاملة باعتبارها سلعة خاضعة للعرض والطلب؛ مما يجعلها معرضة للاستغناء عنها، أو استبدالها حال وجود أيدٍ عاملة أخرى أقل سعرًا أو أفضل جودة؛ مما تسبب في مشاكل اجتماعية كثيرة على رأسها تفشي البطالة، خصوصًا مع تطور الصناعة. ومن كل ما سبق، يتضح لنا كيف تسببت الرأسمالية في اختلال المنظومة الأخلاقية؛ نظرًا لكونها تزيد من الأطماع والهوس بالأرباح واكتناز الأموال والمنافسات الوحشية اللاأخلاقية التي يأكل فيها القوي الضعيف؛ مما سبب صدعًا كبيرًا في سلسلة تطور المجتمعات، وتزايدًا في حالات الإفلاس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الرأسمالية تزيد من أعباء الناس، وترفع نسبة التشتت والتخبط في المجتمع؛ بسبب انشغال الجميع بالسعي وراء المال الذي أصبح الهدف الأساسي للحياة في المجتمعات الرأسمالية.
بدأت الأزمة الاقتصادية مع سقوط سوق الأسهم الأمريكية في أكتوبر عام 1929م، ثم استمرت خلال الثلاثينيات، وبداية الأربعينيات. ولقد كان لها أثر مدمر على كل دول العالم الغنية والفقيرة؛ حيث تدنت التجارة العالمية إلى النصف، وقل حجم العائدات من الضرائب والأرباح، وانخفض مستوى دخل الفرد، وتجمدت أعمال البناء في معظم الدول، وتوقفت المصانع عن الإنتاج، وساءت أحوال المزارعين؛ بسبب تدني أسعار المحاصيل الزراعية التي هبطت بحوالي 60%، وانتشر الفقر الشديد والجوع والقحط؛ مما أدى إلى إصابة الكثير من الأطفال بسوء التغذية.
ولقد نتجت هذه الأزمة من عدة عوامل؛ أهمها رفض النظام الرأسمالي تدخل الدولة في أي من الأنشطة الاقتصادية؛ مما أدى إلى تقلص دورها في المراقبة والتوجيه، وهذا أمر خطير؛ لأن بزيادة التنافس يزداد الإنتاج؛ مما يخلق حاجة لمزيد من الأسواق لتصريف المنتجات، وهنا يأتي دور الرقابة الحكومية التي تنظم العلاقة بين العرض والطلب، والتي من شأن غيابها أن يؤدي إلى أزمة حتمية. ومن العوامل التي أدت إلى استفحال الأزمة في (الولايات المتحدة الأمريكية)، اختلال الاستقرار في الحالة الاقتصادية، وقيام (الولايات المتحدة) بزيادة حجم إنتاجها؛ لتغطية مطالب واحتياجات الأسواق العالمية خلال الحرب العالمية الأولى؛ لتعويض الفراغ الذي نتج من تحول معظم المصانع الأوروبية إلى الإنتاج الحربي، ولكن عندما عادت تلك المصانع إلى نشاطها السابق بعد انقضاء الحرب؛ لم يعد هناك حاجة للبضائع الأمريكية؛ فتكومت تلك البضائع في (الولايات المتحدة)، وزادت الديون، وأفلست المصانع، وانتشرت البطالة؛ مما أدى إلى ضعف القوة الشرائية، واشتداد المشاكل الاجتماعية والأخلاقية، كما ساهم تأخر الدول الأوروبية في تسديد ديونها لـ (الولايات المتحدة الأمريكية) في خلق مزيد من التدهور.
وبعد الكساد الكبير أصبحت الدول المتسلطة تشعر بالتهديد أمام الوعي الممتد في الطبقات الكادحة والشعوب المستعمرة، وأمام انتشار الفكر الشيوعي والاشتراكي بين القوى العاملة؛ فبدأت تُخضِع سياساتها للضوابط الاقتصادية، وتبنت أفكار (كينز) التي ظهرت في مرحلة الكساد الكبير، بعدما أصبحت المدرسة الرأسمالية الكلاسيكية غير قادرة على إيجاد وسائل جديدة للتخلص من الركود. ولقد ركزت النظرية الكينزية على أهمية تدخل الدولة؛ لتدارك فترات الركود الاقتصادي، ولضمان عدالة توزيع الدخل، كما شددت على ضرورة زيادة حجم الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية، وتحسين ظروف العمال، وتحقيق مطامحهم في التشغيل والرعاية بشتى جوانبها: اجتماعيًا وصحيًا وتعليميًا، وهكذا حدثت تسوية تاريخية بين رأس المال والعمال. ومع ذلك لم تكن الأفكار الكينزية مثالية تمامًا؛ فقد أدى ارتفاع نفقات الدولة على الخدمات الاجتماعية، وتحسين ظروف العمال إلى تضخم ميزانيتها.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان